لقد كان لكم في إبراهيم خليل الله أسوة حسنة وفي محمد صلى الله عليه وسلم أسوة كريمة فإن الله عز وجل اختارنا للإسلام والإيمان وجعلنا جميعاً عباد الرحمن وقد قال صلى الله عليه وسلم: {قال الله عز وجل للدنيا يا دنيا مري ولا تحلولي لعبادي الصالحين حتى لا ينشغلوا بك عني}{1}
فإن الله عز وجل عندما يغلي علينا الأسعار أو يصيبنا ببعض الأمراض أو ياتي لنا ببعض الهموم ويعفي من ذلك الفجار والكفار فإن ذلك شأن عجيب؟ فهم كما ترون ينعمون بالمال وينعمون بالخيرات وينعمون بالحياة الدنيا لأن الأمر كما قال صصلى الله عليه وسلم: {الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ}{2}
{أولئك عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا} أما أنتم معشر المؤمنين فإن الله يريد أن يرفع درجاتكم ويريد أن يغفر زلاتكم ويريد أن يستر عيوبكم ويريد أن يطهر قلوبكم ، فكلما أسرف العبد منا على نفسه في الخطايا جاءه الله ببلاء قريب ويعينه عليه ليغفر له به هذه الذنوب فإذا أصيب بمرض فصبر عليه ولم يشكو ، ورد فى الأثر: {مرض يوم يكفر ذنوب سنة}
وقال الله عز وجل في حديثه القدسي: {أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ ، فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ ، حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي ، وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ ، وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إئتنِفِ العَمَلَ}{3}
فإذا أصابه هذا المرض كان تكفيراً لخطاياه أو رفعة لدرجته عند الله فإن لم يصبه بالمرض أصابه بهم المعاش أو أصابه بهم الأولاد أو أصابه بنكد من الزوجة أو يصاب بأي شئ من أشياء الدنيا وكل هذه الأشياء يقول فيها نبيكم الكريم لى الله عليه وسلم: {لا يُصيبُ المرءَ المؤمنَ مَنْ نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمَ ولا حُزْنٍ ولا غَمَ ولا أَذىً حتى الشوكةُ يُشَاكُها إلا كَفَّرَ اللَّهُ عنهُ بها خَطايَاهُ}{4}
كل هذه تكفير لنا يا عباد الله ، ولذلك أمرنا الله أن نقول {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا} التوبة51
لم يقل إلا ما كتب الله علينا لأن الذي كتبه الله لنا الأجر والثواب والخير والفضل الكثير لكن لو قال إلا ما كتبه الله علينا فالذي يكتبه علينا الأوزار والذنوب والعيوب والمخالفات فكل من ابتلاه الله فإنما يبتليه ليرفع شأنه وليقيمه في مقام الصالحين وليلحقه بالنبيين. فقد ورد: {عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه ، قالَ : يا رسولَ اللَّهِ ، مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: «الأنبياءُ ، ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ ، يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ خَطيئةٌ}{5}
وورد أيضاً أنه: {دَخَـلَ سعيدٍ الـخُدْرِيَّ عَلَـى رسولِ الله وهو مَوْعُوْكٌ علـيه قَطِيْفَةٌ ، فَوَضَعَ يَدَهُ علـيهِ فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فوقَ القَطِيْفَةِ ، فقالَ أبو سعيدٍ: ما أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يا رسولَ الله ، فقالَ رسولُ الله: إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَـيْنَا البلاءُ ، ويُضَاعَفُ لنا الأَجْرُ ، ثم قالَ: يا رسولَ الله مَنْ أَشَدُّ الناسِ بلاءً ، قالَ: الأنبـياءُ ، قالَ ثم مَنْ ، قالَ: ثم العُلَـمَاءُ ، قالَ ثُمَّ مَنْ قالَ: ثم الصَّالِـحُونَ ، كان أَحَدُهُمْ يُبْتَلَـى بالفَقْرِ حتَّـى ما يَجِدُ إلاَّ العباءَةَ يَلْبَسُهَا ، ويُبْتَلَـى بالقَمْلِ حتَّـى يَقْتُلَهُ ، ولأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فرحاً بالبلاءِ من أَحَدِكُمْ بالعطاءِ}{6}
لماذا؟ لأن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة لله عز وجل والإنسان كما أخبر الديان {إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى{7} العلق
عندما يرى جسمه صحيحاً وماله كثيراً وولده حوله يغتر بل ربما يطغى بل ربما يفسد في الأرض فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أن يكدرهم بهذه الآلام ويفكرهم بهذه المصائب حتى لا ينسوا فضل الله وحتى لا يغفلوا عن طاعة الله وحتى يظلوا طوال عمرهم معتمدين أولاً وآخراً على جميل فضل الله وعلى كريم صنع الله ويعلموا بأن الأمر في الأولى والآخرة متوقف على جناب الله وعلى عطف الله فيشكرون الله
{1} رواه صاحب مسند الشهاب عن ابن مسعود {2} رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة {3} سنن البيهقى الكبرى عن أبي هريرة {4} رواه البخاري وابن حبان في صحيحه وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة {5} صحيح ابن حبان {6} سنن البيهقى الكبرى
[center]